
إن العلاقة بين البيت الأبيض وبنك الاحتياطي الفيدرالي معقدة وغالباً ما يُساء فهمها وتعكس توازناً دقيقاً بين القيادة السياسية والإشراف الاقتصادي.
وفي قلب هذه الديناميكية يكمن سؤال جوهري: هل يستطيع البيت الأبيض التأثير على بنك الاحتياطي الفيدرالي؟ للإجابة على هذا السؤال يتعين علينا أن نتعمق في تاريخ وبنية وعمليات هاتين المؤسستين المحوريتين في الحكم الأمريكي.
حيث تأسس الاحتياطي الفيدرالي الذي يشار إليه عادةً باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 1913 ردًا على سلسلة من العجز المالي الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي.
وتتمثل مهمتها الأساسية في ضمان الاستقرار الاقتصادي من خلال إدارة السياسة النقدية وتنظيم البنوك وتوفير الخدمات المالية ويعمل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل مستقل عن الحكومة الفيدرالية وهو هيكل مصمم لعزل السياسة النقدية عن الضغوط السياسية.
في حين أن البيت الأبيض لا يستطيع إملاء السياسة النقدية بشكل مباشر إلا أن هناك العديد من الآليات التي يمكنه من خلالها ممارسة التأثير على الاحتياطي الفيدرالي:
حيث يعين الرئيس أعضاء مجلس المحافظين بما في ذلك الرئيس ونائب الرئيس ويمكن لهذه التعيينات أن تشكل الاتجاه العام لبنك الاحتياطي الفيدرالي على الرغم من أنه من المتوقع أن يتصرف المعينون بشكل مستقل بمجرد تأكيدهم.

ويمكن للرؤساء استخدام قوة المنبر للتأثير على الرأي العام وبشكل غير مباشر على قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي ويمكن للبيت الأبيض أن يقترح تشريعات تؤثر على عمليات بنك الاحتياطي الفيدرالي ومع ذلك فإن مثل هذه المقترحات يجب أن تمر عبر الكونجرس حيث تخضع للمناقشة والتعديل.
و في السنوات الأخيرة حظيت العلاقة بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي باهتمام كبير خلال رئاسة دونالد ترامب كان هناك مستوى غير مسبوق من الضغوط العامة التي مورست على بنك الاحتياطي الفيدرالي وسلطت انتقادات ترامب المتكررة لقرارات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول برفع أسعار الفائدة الضوء على التوتر بين السلطة التنفيذية والبنك المركزي وعلى الرغم من ذلك حافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي على مساره السياسي مؤكدا على التزامه بالاستقلال.
وفي عهد الرئيس جو بايدن تغيرت الديناميكية وامتنع بايدن إلى حد كبير عن التعليق على سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع سلفه وبدلا من ذلك ركزت إدارته على تدابير السياسة المالية مثل التحفيز الاقتصادي والاستثمار في البنية التحتية تاركة قرارات السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي.
ويؤكد هذا النهج على احترام استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي في حين يتعامل مع التحديات الاقتصادية من خلال وسائل أخرى.

إن استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على سياسة نقدية مستقرة ويمكن التنبؤ بها وخالية من الاعتبارات السياسية قصيرة الأجل.
لكن هذا الاستقلال ليس مطلقا وبنك الاحتياطي الفيدرالي مسؤول أمام الكونجرس الذي يقوم بإشراف منتظم ويمكنه تعديل القوانين التي تحكم عمليات البنك المركزي.
ويضمن نظام الضوابط والتوازنات هذا أنه بينما يعمل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل مستقل فإنه يظل مسؤولاً أمام العملية الديمقراطية.
حيث يمكن للبيت الأبيض التأثير على الاحتياطي الفيدرالي من خلال التعيينات والتعليقات العامة والمبادرات التشريعية لكن هذا التأثير غير مباشر ومحدود ويشكل استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي حجر الزاوية في قدرته على إدارة الاقتصاد بفعالية بمعزل عن الضغوط السياسية في ذلك الوقت.
وكما أظهر التاريخ الحديث فإن الحفاظ على هذا الاستقلال أمر حيوي لصحة الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل وفي النهاية فإن العلاقة بين البيت الأبيض وبنك الاحتياطي الفيدرالي هي شهادة على مدى تعقيد الحكم الأمريكي حيث يجب أن يتعايش الاستقلال والمساءلة لضمان الاستقرار الاقتصادي والسلامة الديمقراطية.
ويستمر التوازن الذي تحققه هذه العلاقة في التطور مما يعكس المشهد المتغير باستمرار للسياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة.

للاطلاع على آخر الأخبار الاقتصادية (اضغط هنا)
للتواصل معنا ومتابعة كافة معرفاتنا على مواقع التواصل الإجتماعي (اضغط هنا)
Comentarios